كثيراً ما كنّا نسمع في السابق أنّنا نعيش لزيادة الوزن، وأنّه كلما زاد الوزن دل ذلك على صحة الإنسان وحياته الرغدة. ولكن مع زيادة الوعي الصحي حول خطر زيادة الوزن والسمنة وضرورة تجنبها والوقاية منها أصبحت الأنظار الطبية موجهة نحو السمنة بشكل كبير نظراً لارتباطها بالكثير من الأمراض الخطيرة، فلم تعد الأبحاث تُنشر فقط للوقاية من السمنة كونها تشويهاً لجمال الجسد فحسب، بل لتسليط الضوء على مخاطرها وارتباطها الوثيق بارتفاع معدلات ونسب حدوث حالات الوفاة خاصةً في الأعمار المبكّرة.
تشير الدراسات الحديثة إلى أنّ السمنة تعتبر من أكثر المشكلات الصحية شيوعاً خاصة بين الفئات العمرية الصغيرة، وتعد واحدة من أكثر أمراض القرن الحادي والعشرين خطورة نظراً لارتباطها بحدوث العديد من الأمراض المهددة لحياة الانسان كأمراض القلب والشرايين وارتفاع سكر الدم، وأمراض الغدد الصمّاء والنقرس و أمراض العظام و المفاصل، وأمراض الجهاز الهضمي والتنفسي، وأمراض السرطان وغيرها، بالإضافة إلى مضاعفاتها النفسية والاجتماعية على الشخص الذي يعاني منها.
وبحسب الدراسات التي أجريت منذ عام 1970 م وحتى عامنا الحالي في حوالي 32 دولة مختلفة حول العالم، فمن الملاحظ أنّ معدل الوفيات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة الوزن، ففي دراسة نُشرت بتاريخ 3/7/2016 والتي أجرتها مجموعة من باحثي جامعة هارفرد بالتعاون مع مجموعة من باحثي جامعة كامبردج، والتي اعتمدت على الربط ما بين مؤشر كتلة الجسم (والذي يتم حسابه بتقسيم وزن الجسم بالكيلوغرام على مربع الطول) وخطر حدوث الوفاة كانت النتائج كالتالي :
يشكل خطر حدوث الوفاة حوالي 7% إذا كان مؤشر كتلة الجسم 25 – 27.5 كغ/م2
ويشكل حوالي 20 % إذا كان مؤشر كتلة الجسم 27.5 – 30 كغ/ م2
وحوالي 45 % إذا كان مؤشر كتلة الجسم 30 – 35 كغ/ م2
وحوالي 94 % لمؤشر كتلة الجسم 35 – 40 كغ/م2
أمّا إذا كان مؤشر كتلة الجسم 40 – < 60 كغ/م2 فيصبح الخطر ثلاثة أضعاف تقريباً
أي أنه لكل 5 وحدات أعلى من 25 كغ/م2 يزيد خطر حدوث الوفاة المبكرة بنسبة 31 % وكذلك الحال بالنسبة لزيادة نسبة حدوث الأمراض المرتبطة بالسمنة، وهنا كانت المفارقة حيث أن نتائج الأبحاث ناقضت ما كان متداولاً بين الناس من أفكار حول ان زيادة الوزن تعكس صحة الجسم الجيدة.
ذكرنا في البداية ان السمنة مرتبطة بالامراض الخطيرة والمزمنة ومنها أمراض القلب والشرايين والسكري، فزيادة الوزن تشكّل عبئاً ثقيلاً على عضلة القلب وعلى الرئتين فيتضاعف الجهد المبذول لتؤدي هذه الأعضاء وظائفها، وكذلك فإن طبيعة الوجبات المسببة لحدوث السمنة هي وجبات غنية بالدهون والكربوهيدرات، والتي تؤدي لارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم وتراكم الدهون في الأوعية الدموية، الأمر الذ قد يؤدي إلى تصلب الشرايين والاصابة بارتفاع ضغط الدم، ويزيد من خطر حدوث الجلطات وتوقف عضلة القلب المفاجيء. وكذلك الحال بالنسبة لمرض السكري فإن زيادة الوزن تؤدي إلى حدوث خلل في عدد مستقبلات الإنسولين فتؤدي إلى مشكلة في إفرازه واستقبال الخلايا له مما يؤدي إلى تقليل نسبة حرق السكر مما يرفع من نسبته في الدم. وهناك الكثير من الامراض المرتبطة بالسمنة كأمراض الغدد الصمّاء والمفاصل وغيرها.
ومن هنا لا بدّ من دق ناقوس الخطر لكل مصاب بالسمنة لاتخاذ وسائل محاربتها والوقاية منها كاتباع النمط الغذائي السليم، وممارسة الرياضة والأنشطة البدنية الكفيلة بحرق السعرات الحرارية والدهون الزائدة لتجنب تراكمها. وتؤدي الرياضة كذلك إلى زيادة حساسية خلايا الجسم للإنسولين مما يؤدي إلى حرق السكريات وتخفيض نسبتها في الدم، ولا نغفل عن الأسباب الأخرى للسمنة كالأمراض ومحاولة تشخيصها وعلاجها وعدم اهمالها، خاصة تلك المرتبطة منها بالجينات والوراثة.
لو نظرنا إلى كبار السن حولنا ممن يتمتعون بالصحة الجيدة، أو الأشخاص المعمرين بشكل عام قلّ ما ندر أ ن نجدهم من الأشخاص البدينين، وهذه الملاحظة كفيلة بحد ذاتها بأن تجعل من يعاني من السمنة يتوجّه إلى تخفيض وزنه باتباع الوسائل الصحية السليمة.
وفي النهاية لا بد أن نؤكد ونتذكّر دائماً بأن السمنة هي أحد أمراض العصر الحديث، ولكي نحمي أنفسنا ونحمي من حولنا علينا ان نطبّق وسائل الوقاية منها ونحارب أسبابها في المجتمع لنعيش حياة أطول بصحة وعافية.