قديماً كان يُنظر زيادة الوزن والسمنة على أنها رمز للصحة والثروة والخصوبة والرخاء، واستمر الكثير من المجتمعات بهذه النظرة لسنوات طويلة، إلّا أنّ ازدياد الوعي الصحي بعد انتشار الأمراض بكثرة وتنوعها أدّى إلى تغيير هذه النظرة، فأصبحت السمنة تُعتبر إحدى الأمراض الواجب محاربتها والحد منها فهي اليوم سبب للكثير من المشكلات الصحية، وتأكيداً على ذلك قامت الجمعية الطبية الأمريكية عام 2013 بتصنيف السمنة كمرض لا بد من دراسة أسبابه وتوضيح مخاطره ووسائل الوقاية منه.
ما هي السمنة ؟
لو أردنا تعريف السمنة فإن الوصف الأمثل لها هو أنّها حالة مرضية تتراكم فيها الدهون الزائدة بصورة غير طبيعية في الأنسجة الدهنية لدرجة قد تؤدي إلى الاعتلالات الصحية، ويعتبر مؤشر كتلة الجسم Body mass index – BMI هو المقياس الأمثل عالمياً الذي يستخدم لتحديد حالة الجسم بتمييز النحافة عن الوزن المثالي عن السمنة وتصنيف درجة السمنة اعتماداً على العلاقة ما بين الوزن ومربع الطول (مؤشر كتلة الجسم = الوزن بالكيلوجرام/مربع الطول بالمتر)، ويستخدم هذا المقياس لجميع الفئات العمرية ولكن يتم اعتماد جداول تصنيف لهذه القيم تختلف في حالة الأطفال والمراهقين عنها للبالغين وذلك بسبب اختلاف محتوى الجسم من الدهون خلال المراحل العمرية المختلفة، عالمياً تم الاتفاق على أن يكون التصنيف وزن زائد في حالة كان مؤشر كتلة الجسم (BMI ≥ 25.0) ، وتصنّف الحالة على أنّها سمنة إذا كان مؤشر كتلة الجسم (BMI ≥ 30.0).
ببساطة يمكننا القول بأن وزن الجسم يعتمد على الموازنة ما بين كمية السعرات التي يتناولها الفرد مع الكمية التي يخزّنها والكمية التي يتم حرقها، ولو أردنا أن نوضّح آلية حدوث السمنة بشكل عام فيمكن تلخيصها بأنها اضطراب التوازن في مستويات الطاقة في الجسم، بمعنى أن كمية السعرات الحرارية التي تدخل للجسم عن طريق تناول الطعام والمشروبات أعلى من كمية الطاقة التي يصرفها الجسم عن طريق التنفس والهضم والحركة.
أمّا عن الأسباب التي تؤدي إلى اختلال توازن الطاقة وبالتالي حدوث السمنة فيمكن تحديدها بالأسباب التالية:
1- أنماط الحياة الخاملة : تعد قلة النشاط والحركة وعدم ممارسة الرياضة أهم أسباب حدوث السمنة، فمع التطور التكنولوجي والتقدم في جميع مجالات الحياة انتشرت الأجهزة الإلكترونية بشكل كبير وازداد المكوث أمامها لساعات طويلة سواء أثناء العمل أو في أوقات الفراغ، وكذلك تطورت الأجهزة الكهربائية المبرمجة فأصبحت الأعمال المنزلية تتم دون بذل مجهود كبير، إضافة إلى استخدام السيارات بدلاً من المشي حتى لأقرب المسافات، وأصبحت البيئة التي يعيش فيها الناس حالياً مشجّعة بشكل كبير على الكسل والخمول بسبب انتشار المباني وقلة الحدائق والأماكن الواسعة والساحات المخصصة للمشي وممارسة الرياضة، كل هذه الأسباب ساهمت بانتشار السمنة لعدم القيام بالأنشطة الحركية الكافية لصرف السعرات الحرارية والدهون الزائدة.
2- العادات الغذائية الخاطئة: أيضاً يعد تناول الوجبات الغنية بالسكريات والدهون والكربوهيدرات والتي تفتقر للألياف والفيتامينات والمعادن سبباً أساسياً لحدوث السمنة، ففي أيامنا الحالية أصبح اعتماد الناس على المطاعم بشكل كبير والتي تقدّم الوجبات بأحجام كبيرة ممّا يشجع على تناول كميات طعام زائدة إضافة إلى كونها وجبات غير صحية وغنية بالسعرات الحرارية، مع ملاحظة ارتفاع أسعار الأطعمة الصحية مقارنة بغيرها من الأطعمة المسببة للسمنة. أمّا الإعلانات التجارية المخصّصة للترويج للطعام فحدّث ولا حرج، ومن المؤسف أن هذه الإعلانات تستهدف فئة الأطفال عادة للترويج للأطعمة العنية بالسكريات والدهون والسعرات الحرارية العالية. ومن العادات الغذائية الخاطئة أيضاً النوم بعد تناول الوجبة مباشرة دون إعطاء الوقت الكافي لهضم الطعام، وتناول الوجبات في ساعات متأخرة من الليل، وكذلك يساهم تناول الطعام بين الوجبات الرئيسية سبباً مهماً لحدوث السمنة خاصةً وأن هذه الأطعمة في الغالب تكون ذات سعرات حرارية عالية.
3- الجينات والوراثة : أثبتت الكثير من الدراسات أن هناك علاقة وثيقة بين الجينات ووزن الجسم، فالسمنة تعتبر إحدى المورثات التي تنتقل بين أفراد العائلة الواحدة، فتزداد فرصة زيادة الوزن عند الآباء إذا كان آبائهم من الأفراد البدينين، فالجينات تؤثر على كمية الدهون التي يستطيع الجسم تخزينها، هذا بالإضافة إلى أن أفراد الأسرة الواحدة في الغالب يكتسبون نفس العادات في الطعام والنشاط البدني، فعلى سبيل المثال يصبح من السهل على الطفل اكتساب الوزن الزائد إذا كان الأهل من الأشخاص الذين يميلون لتناول كميات طعام كبيرة وغنية بالسعرات الحرارية بالإضافة إلى قلة الحركة وممارسة النشاط البدني والرياضة.
4- الأسباب المرضية : في بعض الأحيان تكون زيادة الوزن دليلاً على الإصابة بمرض معين، فهناك العديد من الأمراض والمشاكل الصحية قد يرافقها زيادة في وزن المريض، وأشهرها أمراض الغدة الدرقية في حالة نقص افراز هرمون الثيروكسين، او مشاكل الغدة الكظرية “فوق الكلوية” مثل زيادة افراز هرمون الكورتيزول مما يؤدي إلى السمنة، أمراض الغدة النخامية، وغيرها.
5- الأدوية: يؤدي تناول بعض الأدوية إلى الإصابة بالسمنة كآثار جانبية، مثل: الكورتيزون، موانع الحمل، أدوية الحساسية، الأدوية النفسية، وأدوية الاكتئاب.
6- الحالة النفسية : في الكثير من الأحيان يؤدي سوء الحالة النفسية إلى زيادة الشهية الأمر الذي يؤدي إلى تناول كميات كبيرة جداً من الطعام دون الاكتراث الى كمية السعرات الحرارية التي يتم تناولها لتؤدي بالنهاية إلى حدوث السمنة، وفي الكثير من الأحيان أيضاً يؤدي الاكتئاب إلى تناول الطعام بكثرة وزيادة الوزن المفرطة.
ومع انتشار السمنة بشكل متزايد وتعدّد أسبابها، كثرت الوسائل التي تساعد في محاربتها والوقاية منها والتي تستند معظمها بشكل أساسي على اتباع نظام حياة صحي يقوم على ممارسة الرياضة واتباع النظام الغذائي المتوازن، وفي بعض الأحيان يتم اللجوء إلى الأدوية أو العمليات الجراحية إذا تعذّر انقاص الوزن باتباع العادات الصحية.